*دولة القانون*حضارات السودان* بقلم.. المحامي الأستاذ عبد العظيم حسن
اتفقت معظم الديانات والشرائع على أهمية الآثار والأصول التاريخية كأدوات لا غنى عنها للتوثيق والإفادة من تجاربها على مستقبل البشرية. عبر القرون يعد السودان من الدول القليلة التي حفلت بنماذج لحضارات متعددة ومختلفة. ورغماً عن قيام الشواهد على عراقة هذه الحضارات إلا أنها، وعبر التاريخ، ظلت هدفاً للطمس والتغبيش. فتهجير أهالي حلفا، على سبيل المثال، يعد من أبرز صور تجريف أمة وحضارة ضاربة في التاريخ. على ذات النسق تعتبر منطقة مروي ليست الأنسب ولا الأولى بإنشاء السد عليها. فكما حرص من اختاروا السد العالي أن يخدم الدولة المصرية من أول نقطة بحدودها الجنوبية كان على السودانيين أن يكونوا شريكاً في أصول سد النهضة كمشروع قومي واستراتيجي يسيطر عليه السودان وأثيوبيا بدلا عن الأخيرة منفردة.
حرب الخامس عشر من أبريل والتي شنتها مليشيا الجنجويد على الشعب السوداني أثبتت أنها ليست مجرد تمرد على جيش الدولة وإنما جزء من مسلسل يستهدف الحضارة والأرث والتاريخ والإنسان. ما يؤسف له أن شعبنا، بمن فيهم العلماء، لم يتربوا أو يتدربوا على توثيق التاريخ أو حتى تجاربهم الشخصية. لهذا السبب يعتبر معظم تاريخنا، القديم والحديث، محفوظ بصدور الرجال والنساء. من تبقى من علماء السودان يجب أن يدركوا أن أكبر مصيبة مترتبة على هذه الحرب ليست سرقة المتحف القومي أو بيت الخليفة وإنما في وفاة المزيد من العلماء قبل أن يوثقوا تجاربهم بكتب ومؤلفات أو حتى تسجيلات صوتية ومصورة تفيد من سيأتي من بنات وأبناء السودان.
الجوع والفقر والمرض والموت الجماعي المترتب على هذه الفتنة الكبرى، وعلى وجه التحديد، غياب العلماء بجانب فقدان الكثير من الوثائق والمكتبات العامة والخاصة سيكون لها أثر كبير في تأخير مسيرة الوطن وضياع مادة علمية ضخمة على السودان. مهما حاول السودانيون وغيرهم أن يتصوروا حجم الخسائر المادية المترتبة على ما أقترفه الجنجويد وداعميهم فإن الأضرار المعنوية لا ولن تقدر بثمن.